حوار مغربي جزائري- هل تنجح المساعي غير الرسمية في تذويب الجليد؟

المؤلف: حسن أوريد08.24.2025
حوار مغربي جزائري- هل تنجح المساعي غير الرسمية في تذويب الجليد؟

في ظل التوترات المتصاعدة بين المغرب والجزائر، برزت عدة محاولات لإجراء حوار بناء بين فعاليات من كلا البلدين، وإن كانت على مستوى غير رسمي. من بين هذه المبادرات، تبرز جهود المركز الدولي لمبادرات الحوار، بقيادة الحقوقي جمال بن عمر، ذي الأصول المغربية، وذلك في أعقاب قرار الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في شهر أغسطس من عام 2021.

كما ظهرت مبادرة أخرى، اعتبرها البعض بمثابة جس نبض لوساطة موريتانية مدعومة من أطراف أميركية، بقيادة الموريتاني علي أبو طالب، تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين البلدين.

جدير بالذكر أن هذه الجهود ليست الأولى من نوعها، فقد شهدت الفترة التي تلت قطع العلاقات الدبلوماسية ظهور العديد من المبادرات الرامية إلى تلطيف الأجواء المتوترة بين البلدين، بما في ذلك مبادرات رسمية من دول عربية شقيقة.

إلا أن هذه المساعي لم تُكلل بالنجاح المنشود، إذ أن الوساطة الفعالة تتطلب قبولاً من الطرفين المعنيين، أو على الأقل عدم اعتراض أي منهما. غير أن هذه المبادرات لم تحظَ بالقبول اللازم الذي يسمح لها بالتطور إلى وساطة حقيقية ومثمرة.

تبنى العديد من الأطراف، على مستوى غير رسمي، مبادرات عديدة، لكنها بقيت حبيسة التمنيات، دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع. ويرى بعض المسؤولين في كلا البلدين أن ملف العلاقات المغربية الجزائرية يكتسي أهمية استراتيجية بالغة، ولا يُتوقع أن يكون للفعاليات غير الرسمية تأثير يُذكر فيه، مهما بلغت مكانتها أو استقلاليتها.

ومن بين تلك المبادرات، مبادرة من شخصيات تونسية مرموقة دعت إلى البحث عن سبل للحوار في إطار مغاربي شامل، لكن اندلاع الحرب في غزة ألقى بظلاله على هذه المبادرة وعطّل مسارها.

حاولت بعض القنوات الإعلامية تنظيم حوارات بين شخصيات مغربية ونظيراتها الجزائرية، لكنها لم تتجاوز كونها محاولات إعلامية محدودة الأثر، إن لم تكن منعدمة. فالحوار الجاد يتطلب رصانة وعمقاً وتجنباً للأضواء. فالإعلام غير المسؤول قد يسيء إلى العلاقات في ظل التوجس المتبادل بين البلدين. ولهذا السبب، لم تنجح أي مبادرة، سواء كانت موازية أو غير رسمية.

ومع ذلك، فإن السياق الراهن، الذي يشهد تحولات عالمية كبرى واضطرابات إقليمية في الشرق الأوسط ومنطقة الساحل، بالإضافة إلى الترتيبات الجارية مع بعض الدول الأفريقية برعاية أميركية، قد يُفسح المجال أمام حوار بين البلدين، على الأقل على المستوى غير الرسمي. ومن المأمول أن يكون لهذا الحوار تأثير إيجابي على مستوى صناعة القرار.

إن نقاط الخلاف بين الرباط والجزائر معروفة للجميع، لكن وجود هذه الخلافات لم يمنع في الماضي من محاولة تجاوز حالة الجمود التي تعتري العلاقات بين البلدين، رغم أن العلاقات لم تصل في السابق إلى هذا المستوى من التوتر.

في عام 1983، وقعت كل من الجزائر وتونس وموريتانيا معاهدة الأخوة والوفاق والتعاون، وردّ المغرب على ذلك بتوقيع اتفاقية معمر القذافي، خصمه اللدود آنذاك، وهي اتفاقية الاتحاد العربي الأفريقي.

لم يكن من المتوقع لهذه الاتفاقية، التي أثارت حفيظة واشنطن، أن تستمر طويلاً، إذ كانت ذات طابع تكتيكي. وفي نهاية المطاف، التقى الملك الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بن جديد في شهر مايو من عام 1987، بوساطة من المملكة العربية السعودية وجهود حثيثة بذلها الملك فهد بن عبد العزيز، الذي حضر اللقاء بين الزعيمين في منطقة حدودية.

أدت سياسة الخطوات الصغيرة إلى تذويب الجليد بين البلدين، حيث قدم الأمين العام لجبهة التحرير الوطنية آنذاك، الشريف مساعدية، برفقة وزير الخارجية الطالب الإبراهيمي، لدعوة العاهل المغربي لحضور القمة العربية التي كان من المقرر عقدها في الجزائر في شهر يونيو من عام 1988.

كان رد الملك الحسن الثاني على المسؤولين الجزائريين لافتًا، حيث تساءل عن كيفية حضوره القمة وهو لا يملك سفارة في الجزائر، في إشارة واضحة إلى رغبته في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهو ما تحقق بالفعل في غضون أسابيع قليلة قبل القمة، وتحديداً في الثامن من شهر يونيو. يذكر أن المغرب كان قد طلب قطع العلاقات الدبلوماسية في عام 1976، وكان عليه بالتالي أن يبادر باستئنافها.

فهل يتكرر السيناريو نفسه اليوم؟ وهل يمكن للتحولات الكبرى التي يشهدها العالم على الصعيدين الإقليمي والدولي أن تفتح نافذة للحوار، كما حدث في نهاية الثمانينيات؟

إن القضية الصحراوية هي محور الخلاف الظاهر بين البلدين، وموقف كل منهما منها معروف للجميع. ولكن هل هذه القضية هي السبب الحقيقي وراء التوتر القائم بين البلدين، أم أنها مجرد تجسيد له؟ فالتوتر بين البلدين كان موجوداً قبل اندلاع قضية الصحراء، وجوهر المشكلة، كما قال أحمد بن بلة، أول رئيس للجزائر المستقلة، هو الحدود الأيديولوجية بين البلدين.

هناك أسئلة مهمة لا يمكن تجاهلها في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، والتي تمهد الطريق لتغيير التراتبيات القائمة: هل يمكن للبلدين، بنسب متفاوتة، أن ينجوا بأنفسهما من خطابات الهوية المتطرفة التي تهدد بإعادة رسم الخرائط، والتي لا تتوقف عند حد الاعتراف بالخصوصية الثقافية؟ وهل يستطيع البلدان أن يظلا أسيرين لسباق التسلح، ويُرهنا مصيرهما ومصير المنطقة، التي تُعد واعدة بالنظر إلى موقعها وإمكاناتها؟

يؤكد كلا البلدين في نصوصهما التأسيسية على الوحدة المغاربية، التي تمثل الإطار الأمثل لتفعيل مؤهلاتهما وتجاوز الخلافات الحدودية وتعبئة طاقاتهما، مع احترام سيادة كل بلد وخياراته والتزاماته المتبادلة.

إن منطق الأمور ليس بالضرورة هو الذي يحكم العلاقات بين الدول، ولذلك لا يمكن التكهن بمآل العلاقات على المستوى الرسمي، على عكس المستوى غير الرسمي، الذي قد يخضع لاعتبارات العقلانية والصراحة والجرأة.

والسياق الحالي، في خضم التحولات العالمية الكبرى، يوفر فرصة سانحة لعقد لقاء على مستوى غير رسمي يضم شخصيات مغربية وجزائرية تتمتع بالمصداقية والاستقلالية.

المثير للاهتمام أن العلاقات بين الشعبين، عبر منصات التواصل الاجتماعي، شهدت زخماً إيجابياً في الآونة الأخيرة، مدفوعة بعاملين رئيسيين: أولاً، التطابق في المواقف الشعبية تجاه قضية غزة، وثانياً، ردود الفعل على التشكيك في العمق الأمازيغي لشمال إفريقيا. هذان العاملان ساهما في كسر الصورة النمطية التي كان يغذيها الإعلام الموجه.

ويجدر بهذا الإعلام، في ظل الظروف الراهنة، أن يتوقف عن هذه الممارسات، أو أن يكف من يحركه يده عنه، لأن ضرره يفوق نفعه، إن كان له أي نفع أصلاً.

ولا بد من التذكير ببعض البديهيات، وهي أن الوضع الحالي بكل ما يكتنفه من توتر لا يخدم مصالح الجزائر ولا المغرب، وأن تخفيف هذا التوتر وبناء الجسور، تمهيداً لعلاقات طبيعية رغم الخلافات القائمة، يصب في مصلحة البلدين، ومن شأنه خلق دينامية إيجابية تساهم في تذويب الخلافات القائمة.

أستحضر هنا ما كان الإعلام الرسمي الجزائري، وتحديداً الإذاعة، يردده في منتصف سبعينيات القرن الماضي، من بيت شعري شهير:

إذا هبّت رياحك فاغتنمها         فلكل خافقة سكونُ

هناك بيئة مواتية للحوار بين البلدين، حتى وإن كان ذلك في إطار غير رسمي، ولا ينبغي تفويت هذه الفرصة الثمينة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة